فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ باللَّه ولينته )) .
وكذلك ما أخرجاه من حديث أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( لن يبرح الناس يتساءلون ، حتى يقولوا : هذا اللَّه خلق كل شيء ، فمن خلق اللَّه )) .
وفي
رواية لمسلم : (( فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل : آمنت باللَّه ورسله )) .
وعند أبي داود فقولوا : { اللَّهُ أَحَدٌ @ اللَّهُ الصَّمَدُ } السورة ،
(( ثم ليتفل عن يساره ، ثم ليستعذ )) .
وعند أحمد عن عائشة : (( فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل : آمنت باللَّه ورسوله ، فإن ذلك يذهب عنه )) .
وهذا
السؤال ينشأ عن جهل مفرط إن خرج من الآدمي ، فإن كان من الشيطان فهو سبيله
لإغواء الإنسان ، فيجب على الإنسان أن يعتصم باللَّه فيستعيذ به ولا يجيبه
، وفي ذلك ذم كثرة السؤال .
وفي حديث ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أحدث نفسي بالأمر لأن أكون حممة أحب إليَّ من أن أتكلم به ، قال : (( الحمد للَّه الذي رد أمره إلى الوسوسة )) .
وفي حديث أبي داود عن أبي هريرة قال : جاء أناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
أصحابه فقالوا : يا رسول اللَّه ، إنا نجد في أنفسنا الشيء يعظم أن نتكلم
به ، ما نحب أن لنا الدنيا ، وأنا تكلمنا به ، فقال : (( أَوَ قد وجدتموه ؟
ذاك صريح الإيمان )) .
وليس
المراد أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان ، بل إن هذه الوسوسة من الشيطان
وكيده ، لكن صريح الإيمان هو الذي يجعلهم يتعاظمون ذلك ويمنعهم من قبول ما
يلقيه الشيطان في نفوسهم .
وانظر
كيف أن العلاج من ذلك ألا نجيبه ولا نرد عليه ؛ لأنك إن رددت عليه استهواك
وأوقعك ، فإما أن يضيع وقتك الذي هو رصيدك لعمل الصالحات ، وإما أن يجعلك
في شكوك وشبهات لا تتخلص منها . ومما ذكره ابن حجر قال الخطابي : وجه هذا
الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص باللَّه منه وكف عن مطاولته
في ذلك اندفع ، قال : وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك ، فإنه
يمكن قطعه بالحجة والبرهان . قال : والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام
بالسؤال والجواب والحال معه محصورة ، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع
، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء ، بل كلما ألزمه حجة زاغ إلى غيرها ،
إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة . نعوذ باللَّه من ذلك .
وقال
: على أن قوله : من خلق ربك كلام متهافت ينقض آخره أوله ؛ لأن الخالق
يستحيل أن يكون مخلوقًا ، ثم لو كان السؤال متجهًا لاستلزم التسلسل وهو
محال ، وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث ، فلو كان هو مفتقرًا
إلى محدث لكان من المحدثات .
وقال
الطيبي : إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل
والاحتجاج ؛ لأن العلم باستغناء اللَّه جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا
يقبل المناظرة ، ولأن الاسترسال في الفكر لا يزيد المرء إلا حيرة ، ومَن
هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى اللَّه تعالى والاعتصام به . واللَّه
أعلم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق